الصحافة الاستقصائية في العالم العربي

 

الصحافة الاستقصائية في العالم العربي

رنا صباغ في القاهرة

 إن الكشف عن الحقيقة وتحقيق المساءلة في ظل التغيرات الحاصلة في المنطقة العربية بات أمراً بغاية الأهمية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الصحافة الاستقصائية نادرة. أريج (ARIJ) منظمة تشمل إعلاميين من أجل صحافة استقصائية عربية، أنشئت في عمان. ويصف إعلاميو أريج أنفسهم قائلين ”بأن أريج هي المنظمة الأولى في هذا المجال والفريدة من نوعها. وتسعى أريج إلى تعزيز الصحافة الاستقصائية في جميع أنحاء المنطقة العربية.

إن رنا صباغ، المديرة التنفيذية في أريج، صحافية أردنية، وكاتبة عمود وأيضاً مدربة إعلامية تملك ٢٨ عاماً من الخبرة في الصحافة المطبوعة. بالإضافة إلى ذلك، كانت صباغ رئيسة التحرير السابقة في صحيفة جوردان تايمز، كما هي كاتبة عمود في صحيفة الحياة العربية المتمركزة في لندن. وفي مقابلة مع اليساندرا باجيك، تشاطرنا رنا صباغ أفكارها حول ممارسات التحقيق الصحفي.

 ما الدور الذي يلعبه التحقيق الصحفي على الساحة الإعلامية العربية اليوم؟

ما من دورٍ للتحقيق الصحفي حالياً، وهذا هو سبب وجودنا هنا. قبل تأسيس أريج في عام ٢٠٠٥، معظم الصحافيين لم يكن لديهم أي فكرة عن هذا النوع من التقارير. وعلى الرغم أن درجة الوعي قد زادت في المنطقة، إلا أننا لا نرى أي صحفي يمارس هذا النوع من الصحافة.

 في المرحلة الأولى من تأسيس أريج، قمنا بإنتاج تقارير استقصائية حول مسائل اجتماعية واقتصادية مثل البيئة والتعليم والفساد. ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي، بدأ الصحافيون والإعلاميون يميلون إلى التحقيق في الفساد السياسي، وغسل الأموال، والجرائم المنظمة، خصوصاً في مصر.

إنني أشجع حالياً الصحفيين على توثيق قصص لم يتم تناولها خلال الثورة المصرية، مثل القتل، وحالات التعذيب والاغتصاب.

ما هي النصائح العملية التي تقدمينها إلى الصحافيين الذين يرغبون بممارسة الصحافة الاستقصائية؟

أنصحهم أن يكسبوا دراية جيدة في مجال التكنولوجيا الكمبيوتر وأن يتقنوا لغة أجنبية واحدة على الأقل، ويفضل أن تكون اللغة الانجليزية. معظم الصحافيين الذين نعمل معهم يتكلمون اللغة العربية وحسب. لذلك بدأنا بإعطاء دروس باللغة الانجليزية في أريج.

إن الصحافيين الاستقصائيين بحاجة ماسة إلى تدريب قانوني، وتعلم كيفية تطبيق منهجية التحقيق القائم على فرضية، والتأكد من أن قصتهم مبنية على وقائع ومصادر موثوقة. وبذلك سيتمكنون من تحليل الافتراضات بشكلٍ أفضل واستخلاص النتائج من مختلف الحجج.

ما يميز مراسل استقصائي هي قدرته على الحصول على الأخبار والكشف عن القصص التي قد تشكل موضوعات مناقشة مهمة ومتابعة تلك القصص.

من المهم جداً أن يقوم الصحافيون الاستقصائيون بإجراء المقابلات مع الأشخاص المعنيين. ولكن لسوء الحظ، يعتمد الصحفيون على شبكة الانترنيت، والبريد الالكتروني من دون لقاء الأشخاص. بدلاً من ذلك، يتعين عليهم أخذ المبادرة وترك المكتب والتحدث إلى الناس المعنيين شخصياً.

 يتعين على الصحفيين أن يكونوا منظمين في إدارة التحقيقات التي يجرونهاـ وأن يحتفظوا بسجلات كافة المقابلات. وفي العموم، يتعين عليهم التفكير بطريقة منهجية وتوثيق جميع البيانات والأرقام التي حصلوا عليها، والتحقق من المعلومات التي تم جمعها، ومقارنة المصادر، وبناء قاعدة بيانات خاصة بهم.

 ما هي أحدث الأدوات والتقنيات الإعلامية المتاحة؟

في أريج، نعلم الصحفيين لدينا كيفية تطبيق تقنيات البحث المتقدمة على غوغل بغية تعقب المعلومات. يتعلم الصحفيون في أريج كيفية الاستفادة من المواقع الالكترونية المجانية وقواعد البيانات على الانترنيت لتقصي المعلومات، والولوج إلى السجلات العامة، وتحديد مواقع المستندات.

نقدم في أريج التدريب على تطبيق تقنية إعداد التقارير بمساعدة الكومبيوتر، مما يسهل مهمة الصحفيين باستخدام البيانات وإدارتها على نحو فعال.

 تشكل شبكة التعاون عبر الحدود (cross-border networking) طريقة فعالة أيضاً لإجراء التحقيقات. في شهر ديسمبر، قامت أريج بنشر أول تحقيق لها عن طريق شبكة التعاون عبر الحدود. نفذ هذا التقرير مراسلان في الصحيفة المصرية ”المصري اليوم. لقد قاما بالكشف عن ثروة حسين سالم، الملياردير صاحب الاستثمارات في مجال النفط والغاز في مصر، واليد اليمنى للرئيس السابق حسني مبارك.

ولقد علمنا في الفترة الأخيرة عن وجود لوحة البيانات الكترونية، وهي عبارة عن جهاز ثوري صممه بول رادو، المدير التنفيذي في مشروع تقرير الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP). يشكل هذا المشروع مساحة رقمية تسمح للصحافيين بالولوج إلى قاعدة البيانات والمستندات الالكترونية الخاصة بالشركة، للحصول على المعلومات والمصادر. كانت لوحة البيانات الالكترونية هذه عاملاً أساسياً للتحقيق الذي قمنا به عبر شبكة التعاون العابر الحدود.

 سنستمر على مدى السنوات الثلاث المقبلة بتدريب الصحفيين باستخدام أدوات الوسائط المتعددة لتعزيز فعالية التحقيقات التي يجرونها. سنقوم أيضاً بتعزيز منصات جديدة للأبحاث وإلى الغوص أكثر عمقاً في القصص. بالإضافة إلى ذلك، لدينا مشروع آخر يدعى ”قرصنة القراصنة (Hack the Hackers) وهو من شأنه أن يساعد على حماية المصادر الرقمية الحساس المهمة.

ما هي الموارد الالكترونية الأخرى التي تستخدمونها؟

 في أريج ثمة برنامج يدعى ”الاستقصاء المبنى على القصة (Story-based Inquiry) وهو دليل حول الطرق الأساسية وتقنيات الصحافة الاستقصائية. يشكل هذا الدليل المعلومات الأساسية بالنسبة للمدربين والصحفيين، وقد تمت ترجمته لتسع لغات. هنا بالكاد أي كتب عن الصحافة الاستقصائية في العالم، ناهيك في المنطقة العربية. يقدم هذا الدليل منهجية موحدة لأي شخص يرغب بالقيام بالتحقيقات.

 ثمة افتراض شائع أن الهدف الأساسي للمراسل هو العثور على المعلومات. ولكن وفقاً لهذا الدليل إن القصة ليست سوى فرضية حتى يتم التحقق منها.

إننا تعمل حالياً مع أساتذة جامعات لتقديم الدليل للطلاب الجامعيين. بالنسبة لنا، يشكل هذا دليل الصحافة الاستقصائية هذه كتاب تعليم للصحفيين العرب، وهو منتجنا الأكثر نجاحاً.

برأيك ما تأثير الاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام الاجتماعية على الصحافة الاستقصائية؟

ثمة أدوات جيدة يتعين على الصحفيين الاستقصائيين استخدامها كمرجع فقط. يمكن للصحافيين جمع البيانات من خلال تلقي المعلومات من الناس عبر صفحات الفيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي. يمكن للناس التعليق وتزويد الصحافيين بمعلومات إضافة مما يسهل عملية الاستقصاء والتحقيق.

 لقد أنشأنا صفة على فيسبوك لصحفي مصري يريد الكتابة عن المصريين الذين فقدوا في الثورة المصري، وذلك بهدف جمع المعلومات والحصول على المساعدة من الأشخاص المهتمين بهذا الموضوع.

ما هي المبادرات الأخرى التي قد تساعد على تعزيز التقارير الاستقصائية في المنطقة؟

ثمة عدد قليل من المبادرات التي تم طرحها في المنطقة. في العراق، يُقام حالياً منتدى وطني للصحفيين، يديره الأكراد والشيعة بشكل رئيسي. وفي المغرب، هناك الجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية. كما وأنني أحاول في الوقت الحالي، تشجيع أعمال مجموعة من الصحافيين المميزين في صحيفة ”المصري اليوم ونقابة الصحافة في مصر لإنشاء شبكة مصرية للصحافة الاستقصائية.

وأخيراً، يبقى القول أن منظمة أريج هي المنظمة الوحيدة والفريدة من نوعها في التدريب الإعلامي، والتمويل والمساعدة التقنية والقانونية. في غضون ثلاث سنوات، سنتمكن من إنشاء ١٢ وحدة على الأقل الخاصة بالصحافة الاستقصائية. وتسعى أريج لأن تصبح مظلة المشاريع الاستقصائية في المنطقة العربية.

This article was first published by European Journalism Centre, EJC. 

(Visited 949 times, 1 visits today)

Leave a Reply