ولا يزال هنالك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدّث عنها المرء

omar-bw-1-551

في خضم الثورة المصرية، وفيما ما كانت وسائل الإعلام العالمية تسلط الضوء على ميدان التحرير في القاهرة، وقع حدث مأساوي في سوريا ومرّ مرور الكرام من دون أن تلاحظه أكثرية وسائل الإعلام التقليديفقد توفي عمر أميرالاي، المخرج السينمائي للأفلام الوثائقية وأحد الناشطين في المدافعة عن الحقوق المدنية ، عن 66 عاماً في مدينة دمشق في الخامس من فبراير/شباط. نشرنا هذه المقالة وداعا أميرالاي وتكريما له.

ولم يكن أميرالاي أحد أفضل المخرجين السينمائيين العرب المشهورين وحسب، بل كان أيضاً ناقداً لا يتعب ولا يكل  من انتقاد تسلط النظام السوري. كما وكان فناناً شهدت أفلامه ترحيباً دولياً غير أنها مُنعت في بلده بسبب محتواها السياسي. وقبل أسبوعٍ واحدٍ فقط من وفاته، وقّع أميرالاي بياناً رسمياً إلى جانب ناقد النظام السوري البارز ميشال كيلو، يدعو فيه إلى التضامن مع الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر، ومؤكداً أن الشعب السوري كان يناضل أيضاً من أجل العدالة والحرية. مع موت عمر أميرالاي، فقدت المعارضة السورية الفكرية أحد أهم أعضائها.

وعلى خلاف معظم المخرجين السينمائيين السوريين، الذين درسوا في معهد VGIK للفنون السينمائية في موسكو، تابع أميرالاي دارساته في باريس. وقد بدأ مسيرته مع المسرح، حيث تسجل في معهد الدراسات العليا للفنون السينمائية (IDHEC، والذي يعرف اليوم بـFEMIS) في عام 1967. ومنذ بداية دراسته، لم يكن متأكداً من توجهه نحو صناعة الأفلام الروائية الطويلة، وغالباً ما كان يشعر أنه لم يكن في المكان الصحيح. غير أن العام 1968 شكل نقطة تحول في حياة أميرالاي. فقد انبهر بتمرد الطلاب وانضم إلى المظاهرات، حاملاً الكاميرا بيده في جميع الأوقات، وموثقاً اللحظات التاريخية من دون مللٍ أو تعب. غير أنه أدرك، في وقتٍ لاحقٍ، أنه قد نسي وضع لفافة الفيلم في الكاميرا، وأنه كان “يصور” عبثاً. وكان أميرالاي مولعاً  برواية هذا القصة، ولكنه كان يشدد أيضاً على أهمية هذا الأمر “لرؤيته” الخاصة للأمور من خلال عدسة الكاميرا. وكان لشوارع باريس الفضل في ولادة هذا الأسلوب المميز الذي شكل لاحقاً العلامة الفارقة لفنه السينمائي.

وبعد تجربته في تصوير الحياة الواقعية، قرر أميرالاي الانقطاع عن الدراسة وتكريس وقته كله لصنع الأفلام الوثائقية. وكان يرغب في تطوير نوع جديد في صناعة الأفلام الوثائقية يضفي عليها لمسته الشخصية. وقد أطلق على هذا النوع من صناعة الأفلام مصطلح: “الفيلم الوثائقي للمؤلف”. وعند عودته إلى دمشق، باشر أميرالاي بتنفيذ خططه. فبعد الاحتفال ببناء “سد الأسد” على نهر الفرات الذي قام بتشييده حزب البعث، قام بتصوير فيلماً في عام 1970 بعنوان “فيلم، محاولة عن سد الفرات” بدأ بتسجيل مواقف حاسمة وبشكلٍ متزايد تجاه برامج الإصلاح الذي يتبعها النظام السوري ومحاولاته الفاشلة في محاربة الفقر في الريف السوري.

وقد ظهرت مواقفه هذه في فيلمه “الحياة اليومية في قرية سورية” في عام 1974، حيث تعاون مع الكاتب المسرحي سعد اللة ونوس، وفي فيلم “الدجاج” في عام 1977. وفي سنة 2003، زار أميرالاي “سد الأسد” مرةً أخرى، وقام من بعدها بتصوير فيلم بعنوان “طوفان في بلد البعث”، حيث قام بتحليل هياكل دعاية النظام السوري وآثارها المعطلة على البلد. وفي مقابلات مع شخصيات محلية بارزة مثل مدير مدرسة معينة، أو مسؤول حزبٍ ما، أظهر أميرالاي التعارض بين الخطابات الرسمية للنظام والأفعال المنفذة على أرض الواقع.

وقد ظهرت مواقفه هذه في فيلمه “الحياة اليومية في قرية سورية” في عام 1974، حيث تعاون مع الكاتب المسرحي سعد اللة ونوس، وفي فيلم “الدجاج” في عام 1977. وفي سنة 2003، زار أميرالاي “سد الأسد” مرةً أخرى، وقام من بعدها بتصوير فيلم بعنوان “طوفان في بلد البعث”، حيث قام بتحليل هياكل دعاية النظام السوري وآثارها المعطلة على البلد. وفي مقابلات مع شخصيات محلية بارزة مثل مدير مدرسة معينة، أو مسؤول حزبٍ ما، أظهر أميرالاي التعارض بين الخطابات الرسمية للنظام والأفعال المنفذة على أرض الواقع.

أدى هذا النقد اللاذع إلى اشتهاره في جميع أنحاء العالم، إلا أنه، من ناحية أخرى، أدى إلى نفيه إلى فرنسا حيث عمل كمخرج وصانع أفلامٍ مستقل، وأنتج الأفلام لصالح المحطة التلفزيونية الفرنسية الألمانية “آرتي”، وغيرها من الأعمال الأخرى. وقد شملت أعماله مجموعة كبيرة ومتنوعة من المواضيع، غير أن التزامه بالمجتمع السوري ونقده للنظام في دمشق ظل يشكل محور عمله، وأفلامه ونشاطه. وكان أميرالاي الشخصية الأبرز في ما كان يُعرف بحركة “ربيع دمشق” في عام 2001، وأحد الموقعين على “إعلان 99″، وهو الدعوة التي أطلقها 99 شخصاً من المفكرين السوريين والتي طالبت بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين ووضع حد لحالة الطوارئ.

لم يكن أميرالاي صانع أفلام “عاديا”. فقد أثارت أفلامه مجادلات ساخنة، كوصفه لشخص رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في فيلم “الرجل ذو النّعل الذهبي” في عام 1999. وقد اعتبر بعض النقاد أنه تنازل عن مستواه في هذا الفيلم مقابل إغراءات السلطة والمال.

أما فيلم “هنالك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدث عنها المرء” في عام 1997، فقد تناول من كانوا مثالاً أعلى له في شبابه وذلك من خلال شهادة صديقه ورفيقه سعد الله ونوس. والفيلم عبارة عن تأمل ذاتي نقدي وصريح، وقد تم تصويره قبل وفاه ونوس بوقت قصير وهو في أوج صراعه مع مرض السرطان في المستشفى. ويتحدث الفيلم عن خيبات الأمل التي واجهها أبناء جيلهما، هو وونوس، وأحلام الوحدة العربية المدمرة، والصراع العربي الإسرائيلي وغيرها من الإحباطات السياسية الأخرى. كما وتبعت الفيلم أيضاً جدالات كثيرة، غير أنه  سيبقى دليلاً حياً على مستوى أميرالاي المتميز كصانع أفلام، وتأثيره على صناعة الأفلام السورية التي ستفتقد إلى وجوده بشدة.

ويعتبر وفاة عمر أميرالاي خسارة كبيرة للفكر السوري الحر ولفن صناعة الأفلام المستقلة. وإنه لأمر مثير للاهتمام ومحزن في الآن ذاته، أن وفاة هذا الرجل الذي لم يتعب قط من الصراخ في وجه الظلم وانعدام الحرية في العالم العربي، كان أمراً ثانوياً في أخبار السياسة ومر مرور الكرام في حين كانت حشوداً من العالم العربي تطالب بالحقوق ذاتها التي صرخت بها أعماله. وللأسف الشديد، تبقى وسائلنا الإعلامية التقليدية سطحية في سعيها إلى الأخبار القيمة والمثيرة للجدل، أما “الشعوب العربية” فتبقى حشوداً من دون أوجه وتاريخ… ولا يزال زيّ القذافي وتصريحاته تجتذب الانتباه أكثر من الأفراد المدافعين عن الحرية في العالم العربي.

ترجمة الى العربية: سحر غصوب

(Visited 134 times, 1 visits today)

Leave a Reply