دمشق: الفن يشفي الجروح

 

Photo credit: Bassam Diab

يوم السبت 18 ديسمبر كانون الأول هو اليوم الدولي للمهاجرين واثناء الأسبوع الحاضر يصدر ما شاء الله مقالات تتعامل مع موضوع الهجرة وبعض المسائل المتعلقة به. اليوم: اللاجئون العراقيون في دمشق

قرع طبلة يمكن أن يكون وسيلة جيدة لطفلة مصابة بصدمة للتعامل مع ذكرياتها. في مركز إجتماعي للاجئين العراقيين في دمشق، يستخدم الأطفال مختلف الأشكال الفنية للتعبير عن مشاعرهم ومعرفة كيفية التعامل معها. من كومة من الرسومات، إختارت رسمةً تشبه تقريبا قطعة من الفن التجريدي. خطوط تتقاطع في ورقة، مشكلة شبكة تغطي تقريباً بالكامل صورة عصاً، وكلها مرسومة بنفس اللون وهو الأحمر.

”اننا لا نعرف حتى الان كيفية تفسير هذه الحالة. هذا الولد، في السادسة من العمر، يرفض أن يرسم بأي لون غير الأحمر. إذا أعطيته قلماً بلون آخر، يرميه بعيدا“ تشرح سمر الهلا، تلميذة سورية في علم النفس، عمرها 26سنة، متطوعة في مركز إجتماعي في دمشق يديره الهلال الأحمر السوري العربي. هذا الصبي الصغير، وهو لاجئ عراقي، بدأ مؤخراً بزيارة المركز والمتطوعين لا يزالون ينتظرون فرصة لفهم ما قد مر به، ولعل الرسوم تساعدهم على فهم الإجابة. مثل العديد من الأطفال العراقيين الآخرين الذين يأتون إلى هنا، الصبي غير قادر على إيجاد الكلمات لوصف ما مر به، وكذلك قد يكون يعاني من تداعيات عاطفية، التي هو صغير جداً لفهمها.

معظم مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين الذين ما زالوا موجودين في سوريا، كانوا شهود عيان لأحداث مروعة قبل فرارهم من بلدهم. قصص القتل والخطف والاغتصاب وأعمال العنف التي لا توصف يذكرون الكثير من مثل هذه الذكريات تؤثر على سلامتهم بعدة طرق خطيرة للغاية، خصوصا عند الأطفال. بعض منهم يعانون من الاكتئاب أو الإجهاد، وبعضهم من العدوانية والنشاط المفرط، وآخرين يعانون من الخجل وينسحبون لدرجة حيث أنهم لا يتكلمون على الإطلاق. ولكن ما لا يستطيع الأطفال التواصل به عبر الكلام، يعبرون عنه عن طريق الرسومات والموسيقى والمسرح أو التمثيل.

في المركز الإجتماعي، الفنون تأخذ مركز الصدارة في الجهود الرامية إلى مساعدة الأطفال المصابين بصدمات نفسية. لا يهم إذا كانت رسومهم رُسمت بمهارة أو غناؤهم متناغم، كل ما يهم هو أثر التعبير الفني. ”ان الأطفال لا يتعاملون مباشرة مع ذكرياتهم، لكن عندما يمارسون الفنون، فإنهم يعبرون عن مشاعرهم، وهذا يساعدهم على الانفتاح، و يسمح لنا أن نفهم وضعهم حتى نتمكن من مساعدتهم على ااشفاء،“ تشرح سمر الهلا وتمضي في مشاركة قصة تدعم تأثير الفن القوي. ”إحدى الفتيات هنا، لديها من العمر سبع سنوات، لم تكن راغبة بالتكلم عند وصولها الى المركز. وأعطيناها طبلاً وبدأت تضرب عليه من دون أي تعليمات. اليوم تتكلم بدون توقف و تلعب مع باقي الأطفال بعد قضاء عدة أسابيع تقرع الطبل بنفسها بعد المجيء إلى هنا لمدة أسابيع فقط لتقرع على الطبل بنفسها.“

وقد تم تدريب المتطوعين السوريين والعراقيين في المركز من خلال برنامج الدعم النفسي والاجتماعي الذي كان له آثار إيجابية على الأطفال اللاجئين في جميع أنحاء العالم. هم ينظمون جماعات الدعم، والتي يحصل الأطفال من خلالها على سلسلة من الألعاب والتمارين المصممة للتعامل مع المشاعر الناجمة من الحرب والصراع. كل دورة تحمل اسماً مثل التعامل مع الخوف، حلمي وأنا أو أصوات مخيفة. خلال نشاط أساسي مماثل، يطلب من الأطفال رسم أشياء معينة، مثل وجوه سعيدة وحزينة، أو المكان الذي كانوا يشعرون فيه بالأمان. بهذه الطريقة، فإنه غالبا ما يكون من الممكن معرفة ما قد مرّ به الطفل. على سبيل المثال، رفضت إحدى الفتيات بعمر السنتين أن ترسم أي تعبيرات إنسانية وملأت أوراقها برسوم الوحوش. مع تقدم عملهم، كان المتطوعون قادرين على معرفة أن الفتاة تعرضت للاعتداء الجنسي. هناك فتاة أخرى رسمت نفسها الى جانب والدها، وإتضح أن هذه الصورة كانت تعبيراً عن شعورها بالذنب، كانت قد شهدت على قطع أصابع يدي وقدمي والدها وشعرت بالندم لأنها لم تكن قادرة على مساعدته.

مثل هذه المعلومات تساعد المتطوعين لتحديد الأماكن والأشخاص خارج المركز الذين يمكن أن يعززوا من التطور الإيجابي للطفل. من خلال الدورات، يتعلم الأطفال أنهم يشاركون هذه العواطف والمخاوف والقلق مع أقرانهم ، ويصبحون أكثر راحة في التعامل معها خارج البيئة الآمنة في المركز الإجتماعي. ”بخصوص اللاجئين من جميع الأعمار الذين يأتون إلى مركزنا، الشيء الأكثر أهمية هو أن نفهم ان مشاعرهم ليست خاطئة. هي ردود فعل طبيعية لأحداث غير طبيعية وبالنسبة للأطفال، وهذا مهم جدا من أجل دفعهم للعمل الاجتماعي وتطورهم كباقي الأطفال. العديد منهم فقدوا الثقة في غيرهم من البشر، ودخلوا بسهولة في الصراعات. الدورات تساعدهم على استعادة هذه الثقة والبحث عن سبل للتعامل مع مشاعرهم حول أشخاص آخرين،“ تقول كارين اريكسن ، وهي مندوبة من الصليب الأحمر الدنماركي التي تعمل مع البرنامج.

الهلال الأحمر العربي السوري يدير هذا البرنامج في خمسة مراكز إجتماعية في أنحاء سوريا، ولكن مع مئات الآلاف من العراقيين المقيمين في سوريا، فهي الوحيدة القادرة على المساعدة جزء صغير من هؤلاء. تضاعفت الأسعار في سوريا منذ وصول اللاجئين اللاجئين، واليوم 40 في المئة منهم لديهم أقل من 1 دولار في اليوم من أجل البقاء. ويعني تدهور الظروف المعيشية أن عدد الأطفال العراقيين الذين توقفوا عن الذهاب الى المدرسة ارتفع بنسبة 30 في المئة في العام الماضي. كثير من الأطفال عليهم قضاء يومهم في العمل لإعالة أسرهم ولا يحظون بالمساعدة للتعامل مع الصدمات التي تعرضوا لها. وهذا يمكن أن يلحق ضررا بالغا بفرصهم في بناء حياة لأنفسهم في المستقبل الذي قُدّر له أن يكون مليئاً بالشكوك والتحديات.

(Visited 113 times, 1 visits today)

Leave a Reply