كيف غزى فن الرسم على الجدران

تعرفوا على ستيفي بيشال. هي شابة سمراء مفعمة بالنشاط، في العقد الثالث من عمرها. ورغم أنها ولدت وترعرعت في فرانكفورت، إلا أن شعرها الأسود الطويل وشفتيها الحمروتين تكشفان أصول عائلة والدها: العراقية. شاركت ستيفي بتأسيس ستوديو 68 وهو ستوديو جماعي للفنانين مقره في مانهايم (ألمانيا)، فضلاً عن تخصصها في فن الشوارع. وقد قامت ستيفي منذ أربع سنوات بتغيير جذري في حياتها. فقد كانت خطها الأولية التوجه إلى دمشق بغية تعلم فن الخط العربي. ولكن بعد ستة أشهر أمضتها في سوريا، استسلمت ستيفي أخيراً إلى نداءات بيروت. واليوم، تقيم الشابة العراقية الأصل في العاصمة اللبنانية وتعمل بدوام كامل كمدربة فنون حيث تساهم في تطوير وتعزيز فن الرسم على الجدران- على الرغم من إصرارها الدائم على إنكار هذا الواقع. وإذا كنتم من المحظوظين قد تصادفونها وهي ترسم على الجدران في شوراع الحمرا، سواء بمناسبة احتفالات تُقام في الشوارع أو لمسابقة في رقص الهيب هوب. وفي حال لم يحالفكم الحظ في ذلك، يمكنكم أن تسألوا عنها في المنطقة: فالكل يعرفها.

كيف كان فن الرسم على الجدران عندما جئت للمرة الأولى إلى لبنان؟ وكيف أصبح اليوم؟ 

عندما جئت للمرة الأولى إلى بيروت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2007، اعتقدت أن جدران المدينة تفتقر إلى الرسومات. ولكن بعد أن أمضت وقتاً في زيارة معالم المدينة السياحية، اكتشفت بعض اللوحات الفنية للرسم على الجدران المنتشرة في منطقة تدعى الكارينتينا. وفيما بعد، ذهبت برفقة بعض من فناني الرسم على الجدران المحليين الذين عرفوني على المناطق “المهمة” حيث يقوم الفنانون بالتمرن على الرسم ويجلبون أصدقائهم الفنانين الأجانب بغية الرسم مع بعضهم البعض. وحسبما ما أتذكر كانت ‏فن الطبع بالاستنسل (stencil art) أكثر انتشاراً من فن الرسم على الجدران الذي قد ترونه في المدن الأوروبية ونيويورك. وكانت أعمال الطبع بالاستنسل التي رأيتها على جدران منطقة الحمرا سياسية أو تتمحور حول رموز وشعارات الحرب. وبعد ذلك بثلاث سنوات، شهدت تطوراً واسعاً على صعيد فن الرسم على الجدران في البلد. فمع اهتمام الأجانب المتزايد بلبنان، وتبادل الثقافات الناتج عن هذا الواقع، بدأ هذا الفن بالنمو والتطور.

هل فن الرسم على الجدران الذي ترينه في لبنان شبيه بالفن الذي قد تقعين عليه في دمشق حيث عشت؟ أو في ألمانيا، البلد الذي أتيت منه؟

لا تتشابه هذه البلدان بأي شيء في ما يخص فن الشوارع. فسوريا بلد لبناني مثل لبنان، إلا أنها لا تزال عائمة في عصر مختلف. وفي عام 2006، لم يكن هناك أي أعمال فنية أو رسومات على الجدران أو غيرها من أعمال الحرف الفنية، باستثناء الفنون التقليدية كحرف المجوهرات، والرسومات الشرقية، ولوحات فن الخط التقليدية. أما في ألمانيا وخاصةً في المدن الرئيسية، فكان الوضع مختلفاً تماماً. فهناك قد تجدون كافة أنواع الفنون وتوجهات الموضة. ويرجع السبب أساساً في ذلك إلى توافر المعدات والأدوات عالية المعايير التي يمكن للبلدان الأوروبية تزويدها. أما لبنان فهو خليط من الاثنين.ففي بعض المناطق في بيروت، يمكنكم الحصول على علب الرذاذ وطلاء الاكريليك، وهو المكان الذي يقصده الفنانون لشراء حاجياتهم من الأدوات. ومن هنا بدأت هذه السوق بالتوسع.

كيف بدأت بالرسم على الجدران؟ وما الذي أثار شغفك بهذا الفن؟ 

لقد بدأت بالرسم التخطيطي ونسخ الصور عن المجلات المصورة. وبدأت تدريجياً أخلط بين قصة المجلات المصورة وتفسيراتي الخاصة لتكل القصص والرسومات. وكانت الفكرة وراء الرسم على الجدران التي أثارت شغفي بهذا الفن. فقد أحببت فكرة أنه يمكنني أن أرسم كل ما قد يساورني من أفكار على لوحة كبيرة يمكن للآخرين رؤيتها. يمكنني أن أرسم على القطارات، والجدران والجسور! في كل مرة أعود فيها في وضح النهار لأتفقد اللوحة التي رسمتها في الليلة الفائتة ويراودني شعور غريبٌ. وقد يمر ألوف من الناس، وأنا واقفة هناك بينهم، يتأملون الرسومات. وأنا أسائل نفسي على الدوام: ما الذي قد يخطر على بالهم؟

ما الذي يختلف عن ممارستك لفن الرسم على الجدران في لبنان عن ألمانيا؟

في البداية، شعرت أنني أعود بالزمن إلى الوراء. فمجموعة ألوان علب الرذاذ في لبنان كانت محصورة بـ10 إلى 15 لوناً فقط. لذا لم يكن لدي الكثير من الخيارات عندما كنت أعمل على الظلال أو على لوحات ثلاثية الأبعاد. لذلك بدأت بخلط الألوان والاستعانة بالفرشاة أكثر بغية رسم ما أريد. ولكن منذ شهرٍ بالتحديد، تعرفت إلى رجل أعمال أميركي من منطقة جل الديب. وهو يمارس الرسم على الجدران منذ ثماني سنوات، وتمكن بطريقة ما بعقد صفقة مع المنتج الرئيسي في العالم لعلب الرذاذ في ولاية مونتانا! ولقد تم تزويدنا بأكثر من 140 لوناً مع كافة تدرجات الألون التي قد تفكرون بها. وشكل هذا الأمر تغيراً جذرياً بالنسبة إليّ: فللمرة الأولى منذ ثلاث سنوات سأقوم باستخدام الأدوات اللازمة. مما أعاد ثقتي الكاملة بفني.

كيف بدأت بتنظيم ورش عمل للرسم على الجدران في لبنان؟

بعد فترة قصيرة من إقامتي في بيروت، دخلت إلى عالم المنظمات غير الحكومية اللبنانية. والتقيت بشخصٍ طلب مني أن أتولى تنسيق برنامج جديد حول فن الرسم على الجدران. وطُلب مني أيضاً تنظيم ورشة عمل لمدة أسبوع واحدٍ للرسم على الجدران مع أطفال اللاجئين من العراق في شياح (جنوب بيروت). وكان الهدف من هذا المشروع تعريف هؤلاء الأطفال على طريقة جديدة للتعبير عن أنفسهم. ولقد تأثرت تأثراً عميقاً بقصصهم واكتشفت كم هم موهوبون. فإذا سنحت لهم الفرصة بالتعبير عما يجري في رؤوسهم الصغيرة، ستفاجئون بجمال الأمور التي قد تصدر منهم.

مع أي منظمة غير حكومية تعاملت حتى الآن؟

بدأت العمل مع جمعية “عامل”، وهي أحد أحد الشركاء في “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، عن طريق سحر عساف. في ذلك الوقت، كان فن الرسم على الجدران لا يزال في بدايته في بيروت. وقد بدأت لاحقاً الجمعيات الأخرى تطلع على هذه الأداة الجديدة للتعبير، سواء عبر عملي مع منظمات غير الحكومية أو بكل بساطة عبر الأصدقاء المشتركين. كما وتعاونت مع عدد من الجمعيات الأخرى مثل: “المجلس النرويجي للاجئين”، ومنظمة “ميرسي كوربس”، ومنظمة “البحث عن أرضية مشتركة”، منظمة ”العمل ضد الجوع”، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وجمعية “شبكة المبادرات البديلة”، وغيرها من المنظمات الأخرى. ولكن في بعض الأحيان كانت هذه الشراكات تأخذ منحىً سلبياً. فقد صُدمت عندما اكتشف بعضاً من أنظمة تلك المنظمات المعروفة. ففي نهاية أحد ورش العمل في أحد مخيمات فلسطين، طُلب مني رسم شعار كبير لاسم المنظمة بحروف حمراء على الحائط. ونظراً لضيق موقع المخيم، بدا الشعار كأنه دعاية بحت لتلك المنظمة. ولكن في نهاية المطاف، قمت برسمه، لتجنب المشاكل بين منسقي المنظمة غير الحكومية والمسؤولين فيها. لذا اليوم، أفضل العمل على مشاريعي الخاصة، وهي التركيز على الشباب- بصرف النظر عن هوياتهم، سواء كانوا لاجئين أم لا- وتنظيم حركة خاصة بي. فأنا لا أرغب بأن أكون واحدة من أولئك الناس الذين يدعون العمل بغية تقديم المساعدة، بينما هم لا يقدمون كوب عصير واحد للأطفال طيلة ورشة عمل قد تدوم ثماني ساعات في يوم صيف حار.

ما هي المشاريع التي تعملين عليها حالياً؟

ابتداءً من الأسبوع المقبل، سأقوم بتنظيم ورشة عمل للرسم على الجدران بمناسبة فصل الصيف التي ستمدد في جميع أنحاء لبنان، وذلك بالتعاون مع جمعية “شبكة المبادرات البديلة”. سنقوم بجمع الشباب من مختلف المجتمعات والطوائف ليخبروا بعضهم البعض عن قصصهم في الحياة. وفي هذا الشهر أيضاً، أقوم بتحضير برنامجاً في مركز هونا في الحمراء حيث أعطي دروساً بفن الرسم على الجدران.

(Visited 1,148 times, 1 visits today)

Leave a Reply