قلب جدة القديمة

البلد، منطقة جدة القديمة

تعرف جدة القديمة باسم البلد. وهي منطقة تاريخية داخل أسوار المدينة تبلغ مساحتها 1 كيلومتر مربع. تضم جدة القديمة ما يقارب 600 إلى 700 منزل، يعود عمر البعض منها إلى 500 عام تقريباً.

يقسم البلد إلى أربع حارات رئيسية:

حارة الشام في الجزء الشمالي من السور

حارة اليمن الجزء الجنوبي من السور

حارة المظلوم في الجزة الشرقي من السور

وحارة البحر في الجزء الغربي المطل على البحر.

تألف البلد عموماٌ من شبكة من الممرات أو “الأزقة” التي سميت بأسماء تعكس وظائفها. كثرت القصص تاريخية او حتى أساطير في المنطقة حول تلك الممرات: مثل ممر العطارين، حيث تباع العطور التقليدية أو ممر “الليات” المشهور ببيع وصناعة ليات الشيشة والأرجيلة ومستلزماتها. بالإضافة إلى زقاق “احضني” الذي لم يعد موجوداً اليوم. كان هذا الممر شديد التعرج وضيق لدرجة أنه يسمح بمرور شخص واحد فقط. وإذا التقى فيه شخصان كان لا بد أن أن يلتصقا ببعضهما البعض ليستطيعا المرور. وكانا يبدوان متعانقين ]من هنا تأتي تسمية الممر: “أحضني”[ . وهناك أيضا “حارة مظلوم” التي كثرت حولها القصص، أبرزها قصة رجل تم إعدامه في عام 1131 ه (أي 1719 م).

وقد أُعدم هذا الرجل قبل ثبوت التهمة عليه. وتقول الرواية أن دماءه سالت على الرمل على شكل كلمة “بريء”. ومنذ ذلك الحين باتت القصة رمز الحارة، ومن هنا جاء اسمها: حارة المظلوم.

مكان المشربيات

تتميز البيوت في جدة بطراز معماري تقليدي، حيث يطغى الحجر الكلسي في العمار. ونلاحظ أيضاً أن المباني مرتفعة، واجهاتها من خشب الساج الهندي والجاوي الجميل. يوفر هذا النوع من الخشب التهوئة للمنازل، ويمنح الشوراع الضيقة فسحات من الظل.

جرت العادة أن تُبنى المنازل من أربعة طوابق أو خمسة ومشربيات عريضة مزخرفة ممتدة من الأرض إلى السقف في ألواح خشبية رمادية. لم يكن استخدام الزجاج شائعاً في جدة، بل كان يتم استخدام شبكيات بدل منه. بعض تلك الشبكيات دقيقة ومنحوتة على رقائق الشبابيك الخارجية. أما الأبواب فقد جرت العادة أن تكون مصنوعة من لوحين ثقيلين من خشب الساج، المزين بنقوش محفورة بعمق. وغالبًا ما يكون في الباب فتحة للرؤية أو أبواب صغيرة في وسطها. كانت مفصلات ثمينة ومطارق حديدية تعلق على الأبواب. أضف إلى ذلك الزخرفة أو التجصيص المقصوص 

 محاولة تسجيل البلد باليونسكو.

منذ فترة وجيزة، تناقلت الصحف السعودية بإمتعاض خبر سحب طلب تسجيل منطقة البلد ضمن قائمة التراث العالمي.

قام المسؤولون من هيئة الاثار والسياحة وأمانه جدة بسحب الملف الذي قدموه لمنظمة اليونسكو لتسجيله وتأجيل رفع الملف وذلك لتعرضه في السنوات الاخيرة لاضرار جسيمة نتيجة للعوامل المناخية من سيول وامطار من جهة، والإهمال والتباطوء في عمليات الترميم والتجديد للمنطقة، من جهة أخرى.

احياء قلب جدة.

إن قصة اليونيسكو من احد المحركات الحالية للمبادرات والمحاولات الترميمية لمنطقة البلد. ولكن كما يقول المهندس زياد اعظم لقد بدأ درب المبادرات منذ خمسة عشر سنة على يد الدكتور سامي عنقاوي الذي أنشأ مكتباً لنفسه في منطقة البلد تحت إسم لمار. وقد تم بناء هذا المكتب للمساهمة في احياء البلد حيث كان يعقد الدكتور سامي اجتماعاته هناك.

ويعترف المهندس زياد بأنه أحد المتأثرين بمبادرة الدكتور سامي إذ أنه لم يكن يعرف اي شي عن منطقة البلد قبل زيارة مكتب لمار.

ومن بين هذه المبادرات أيضاً، مبادرة المهندس عبدالعزيز كامل رحمه الله الذي عمل مع الدكتور هشام جمعة على انشاء شركة تحت اسم وسط جدة لانعاش واحياء المنطقة على غرار أعمال شركة سوليدير في بيروت.

وتم أيضاً تكليف الشركة نفسها، أي سوليدير، لتولي إدارة المشروع في البلد. ولكن لحس الحظ لم يكتب لهذا المشروع النجاح، وإلا لكانت المنطقة اكتظت بالمكاتب والمقاهي الليلة، واغتيلت روح البلد.

هل ستتحول البلد مثل وسط بيروت؟

البعض يقترح ردم المنطقة بالكامل او الانتظار لان تنهار حتى يتم استثمار الأرض، غير مبالين بالابعاد التاريخية والثقافية والإجتماعية لها- همهم الوحيد الأرباح الإقتصادية السريعة فقط…

إذ أن قيمة الأرض تزيد عندما يتم الاستثمار عليها وبناء ناطحات سحاب بدلاً من مباني مؤلفة من ثلاثة طوابق، كما هي الحال اليوم في البلد. وما يزيد الأمر سوءاً أن المستثمر لا يعلن عن نواياه في الاستفادة من المنطقة خوفاً من ردات فعل المهتمين بها وبقيمتها التاريخية. أضف إلى هذا، فالمستثمر لا يستطيع أن يلتف حول مشكلة المسنات اللواتي يعشن لوحدهن من دون أي معيل أو عائلة. ولا يحق له أن يخرجهنّ من منازلهنّ إلا بعد موافقة جميع الورثة والمالكين.

يشدد زياد على ان المشكلة الكبرى في منطقة البلد هي عدم التوزان في تبني الابعاد الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والثقافية، وفي عدم إعطائها الحق الكافي من الإهتمام. إذ أنه يتم التركيز على البعد الإقتصادي المالي قصير الاجل من اجل ارباح مادية وشخصية رمزية مقارنة بما ستربحه المدينة بترميم المنطقة. ولكن التوجه ذات النظرة المستقبلية يجب ان يصدر من الهيئات العليا صاحبة القرار بطريقة تجبر الآخرين على العمل بها وتمنع المشاريع الصغيرة الهامشية والشخصية.

التحركات لانقاذ البلد القديم.

يخبرنا زياد بأن الحكومة قد طرحت مبادرة جيدة، تديرها شركة جدة للتطوير العمراني التابعة للأمانة. وقد أجرت الشركة العديد من الدراسات المهمة وقامت بمسح المنطقة، والتحقق من الوضع الاجتماعي لأبنائها والخدمات المتوفرة. غير أن المشكلة لا تزال قائمة في غياب المجتمع المدني عن منطقة البلد القديمة، وغياب تام للوعي الثقافي والحضور الإجتماعي لدى سكانها… ويحاول المهندس زياد من خلال مجموعته قلب جدة التي تنظم بشكل دوري رحلات تعوية عن البلد وأهمية تاريخه.

خلاصة القول ان ما يميز جدة هو مزيج الحضارات المتجانس بشكل عجيب نظراً لتداخل العوامل الاقتصادية والدينية والإجتماعية، كقربها من مكة وكونها ميناء الحجاز. و والذي خلقوا بدورهم حضارة بالغة التعقيد والعمق لا تستطيع مشاريع الترميم والتجديد البنائي إنقاذها وإنماء حراك مدني ثقافي من اهل جدة وساكنيها هومن يستطيع إحياء الروح وإبقاء الاصالة وتعزيز مفهوم الانتماء للبلد وإحترام الذات في منطقة جدة القديمة ومدينة جدة بأكملها.

شكر خاص للمهندس زياد أعظم وموقع السياحة السعودية للمعلومات القيمة.

(Visited 6,506 times, 4 visits today)

Leave a Reply