“The Public” مقابلة مع

Culture

Left to right: Hatem, Karim, Yasser. Photo: Karim Omran, art direction/concept: Yass Elmasry

كان افتتاح المركز الثقافي الجديد سنة 2004 تحت اسم ”الصاوي“ وسرعان ما اصبح مقرا للموسقيين الناشئين غير المعروفين بحيث تسنى لهم أن يسمعوا ما عندهم من موهبة موسيقية. كنت حاضراً في عدة حفلات موسيقية أحيتها فرق معروفة، لكنني بقيت على شعوري بأن هناك عنصرا مفقودا. وألح ّ عليّ ذات ليلة صديق لكي نحضر معا حفلة فرقة The Public، و هي إحدى الفرق التي كانت تعزفة في الصاوي.

وبعد اربع سنوات كانت فرقة The Public الأولى بالعزف في حفل افتتاح العيد الثالث للروك في “الصاوي”. كان هذا انجازا لفرقة مشوبة بالعاطفة والحماس للموسيقى وأيضا للبيئة المحيطة بهم. على سبيل المقال، كانوا يطلبون من الحضور أن يأتوا الى الحفلات في مجموعات من السيارات، لكي لا يزيدوا من حالة التلوث البيئي.

والفرقة تكونت من ياسر المصري على الغيتار والأغاني، كريم عمران على آلات العزف بواسطة المفاتيح مثل الأورغ والبيانو ومشاركة غناء، وحاتم عُربي على الطبول مع مشاركة غناء. وغاية الفرقة ان تكون الموسيقى انسانية لا مجرد طنين دون معنى. وكان لقاء ما شاء الله في القاهرة.

– كيف إلتقيتم ايها الشبان وما الدافع لقراركم بالعزف معا؟

ياسر: انها حقا قصة مسلية. فأنا وكريم كنا معا في الدراسة الثانوية، دون ان نعرف ان أحدنا يحسن العزف على آلة موسيقية، وقرأت بعدئذ علانا للموسيقيين بأن ينضموا في ناد موسيقي، حيث التقيت بكريم. واستغربت ذلك لأننا لم نتكلم ابدا اثناء الدراسة عن الموسيقى. لكننا لم نكن مرتاحين في اجواء ذلك النادي، فأتفقنا على تكوين فرقة خاصة بنا.

حاتم: كانت لنا نحن الثلاثة ذات المشاعر: فقررنا ان نحاول العزف معا، وهكذا كانت بداية ردة الفعل.

قبل مهرجان “الصاوي” الثالث للروك كنتم تعزفون غالبا أغاني لفرقة Pink Floyd، كيف حصل ذلك؟

كريم: أوه Pink! ليسوا فرقة موسيقية، بل اكثر من ذلك. فسماعهم لأول مرة كان بمثابة الذهاب في رحلة فكرية أغرب من الخيال. ثم تعود من الخيال الى واقع الإستماع أكثر، فتشعر بالإرتياح التام. فهم أشخاص يشعرون بالأشياء بأعمق ما يكون ذلك الأحساس، وبكل براعة، يعملون لكي يشاركهم الحضور هذه المشاعر برؤيا نقية وعاطفة صافية.

ليسوا فرقة موسيقية، بل اكثر من ذلك. فسماعهم لأول مرة كان بمثابة الذهاب في رحلة فكرية أغرب من الخيال.

ياسر:  اذكر عندما كنت يافعا ان الطريقة الوحيدة المتوفر لسماع الموسيقى كانت في “الكاسيت” مثلWhat’s Now ’97“. وجاء صديق ذات مرة بشريط VHS مسجل لهذه الفرقة Pink Floyd تحت عنوان P*U*L*S*E (النبض). فجلسنا نستمع ونشاهد. وعلى اثر الإستماع لعدة أغان، كدت ان أقع أرضا اذ شعرت فجأة أن ما اسمعه كان أكثر من موسيقى فحسب. كانت هنالك مشاعر ومعان عديدة وكنت في عمر “الولدنة” بحيث لم استطع ان أتميزها كليا آنذاك. بصراحة ما زلت احيانا أتساءل: كم تبدو موسيقاهم حلوة و طيبة! لقد غيرت حياتي فعلاً.

بصراحة ما زلت احيانا أتساءل: كم تبدو موسيقاهم حلوة و طيبة! لقد غيرت حياتي فعلاً.

لدى حضوري حفلاتكم، لقد أحببت الموسيقى الموضوعة بدقة والاغاني الحلوة بنمطها اللطيف الذي يصدى من خلال كلماتها. فماذا تقصدون تحقيقه من موسيقاكم؟

ياسر: موسيقانا بعيدة عن المفهوم التجاري المربع الاوتار. ولا نريد الشهرة السريعة والثروة. ما نريده هو تنمية هوية فريدة ومميزة خاصة بنا. نريد أن نأخذ المستمع في رحلة موسيقية، مع تباينات في الحماس والمزاجية، محركين لأعمق المشاعر في نفوسهم. نهتم بمواضيع تكون عادة منسية في الحياة العصرية ونحاول أن نعود معها الى جوهر الطبيعة الانسانية، مع التأمل دوما في كيف ولماذا نحن هنا في هذا العالم.

كريم:  ما نضعه من ألحان في موسيقانا يشكل مزيجا من الانفعالات العاطفية والافكار تغطيها أقنعة. مثلاً، إنني أجد متعة عظيمة في العقل المحرك للفن، الذي يحملك على تصور وابتكار كل شيء من لا شيء. كما لو أنك تستمع الى ناس قد خرجوا الى الفضاء الخارجي ويحاولون أن يصفوا ما عرفوا من تجاربهم. نريد أن نخلق الموسيقى التي تشبه الاستماع لمثل هذه الحادثة.

نني أجد متعة عظيمة في العقل المحرك للفن، الذي يحملك على تصور وابتكار كل شيء من لا شيء.

حاتم: بالنسبة لي، فالهدف، بكل بساطة، كامن في ابتكار تجربة سارة وفريدة لدى المستمع للموسيقى، عبر صدى الجميل وتحمل معها فكرة نقية واضحة.

ما الذي أوحى لكم بتعاطي الموسيقى؟

حاتم:  نأخذ الالهام من الاستماع الى موسيقى اخرى، احيانا موسيقى سيئة جدا، مما يجعلك تفكر: يا رجل، هذا سيء، لا أريد أن أعطي انطباعا مثل هذا. سأقوم بعمل أفضل. ثم، أفكر بأن الألحان يجب أن تعبر عن افكار يمكن نقلها عن طريق الموسيقى والاغاني. يمكن أن تأتى هذه الأفكار من كل الجهات: افلام سينمائية، قصص من الحياة. رسوم هزلية (كاريكاتور)، مقالة ويكيبيديا، مشهد في مجموعة وثائق، وفي صفات وتصرفات الافراد وطرق تفكيرهم المستغربة.

ياسر: عندما نجتمع لاجراء التمارين ووضع الألحان، نقضي تقريبا ٪90 من وقتنا في التفكير في العالم، الحياة بعد الموت، سلوك البشر، السوريالية، الكون، الدين، مختلف أنماط الفن والاماكن التي نرغب في رؤيتها يوما ما. كل شيء حولي يمكن أن يوحي اليّ بفكرة؛ مثل صورة، لون، رائحة شذية، التوق الى الوطن، الخوف من المجهول، المرض، الفشل، الكتب المقدسة، الرحلات، الطقس البارد، الحيرة والارباك. فان طور من أطوار الانحطاط او الكآبة، الحزن أو الغضب، كما قد تكون قاسية او مؤذية؛ مما تسهم كثيرا في خلق الموسيقى.

نقضي تقريبا ٪90 من وقتنا في التفكير في العالم، الحياة بعد الموت، سلوك البشر، السوريالية، الكون، الدين، مختلف أنماط الفن والاماكن التي نرغب في رؤيتها يوما ما.

هل ترون أنفسكم كفرقة في عمل دائم، جوالة، توقع صفقات قياسية؟

كريم:  طبعا، اذا وصلت الفرقة الى هذا الحد الواسع، أظن أننا سنكون فرحين جدا. رغم أن سيرة الحياة في العمل الموسيقي لن تكون حقا في صالح الابداع، اذ تكون مضطرا لكتابة اغان حتى لو لم تكن في مزاج موافق لذلك. بالنسبة لي، افضل أن تكون الموسيقى هواية، لكن على مستوى مهني، حفلات من وقت لآخر، من دون أن نفقد القدرة على الابتكار.

ياسر: أحب أن اضع الألحان الموسيقية لتكون مصدر عيشي. لكن الآن، نفضل التقدم خطوة خطوة. سنبدأ في تسجيل مجموعتنا اولا، ونسير بعدها قدما الى الامام.

ما رأيكم في مشهد الموسيقى الخفية في القاهرة؟

ياسر:  مشهد مخفي في القاهرة، إن كان موجودا، غير قابل للانتشار. المدينة غير مؤهلة له، وهو مرتبط بكل شيء: اولا، بدء العزف على آلة موسيقية، وضرورة التعامل مع  باعة هذه الآلات الجشعين محبي جمع المال فلا يستطيعون تأمين ذلك الغيتار الجديد ومكبر الصوت الذي تحتاجه، ثم التعامل مع وضع مسارح غير مهنية همها الربح، وحفلات غير منظمة، موسيقى تجارية، وفقد الدعم. حتى الفرق الجيدة ستواجه فرصا محدودة جدا للتعريف عن موسيقاها.

مشهد مخفي في القاهرة، إن كان موجودا، غير قابل للانتشار.

كريم: لكن في الوقت ذاته، تبدو كأن موسيقى “الروك” قد اكتشفت من جديد في مصر. فرق عديدة تعزف موسيقى الروك بعيدا عن نوع “metalِ”. انا شخصيا أرى ان موسيقى الروك قريبة من نفسية الشباب المصري، وتتماشى لحد ما مع مسيرة حياتهم. كما أجد في توجه الفرق الى تقديم الأغاني المصرية التقليدية عبر الموسيقى المعاصرة، شيئا يدعو للملل والضجر. إذ ليس هنالك من مجال للابتكار الجهة التقنية او الشاعرية للاغنية. وهذا يعني القضاء على النوعية الموسيقية.

تبدو كأن موسيقى “الروك” قد اكتشفت من جديد في مصر.

كيف تنظرون الى تطوّر المسرح الموسيقي في السنوات القادمة؟

ياسر:  برأيي فان السنوات القادمة ستشهد تطورات عديدة من جهة الاصالة، لكن هذا مرتبط فقط في تحسن اوضاع المسارح، الاعلانات والدعم. اذا لم يحصل ذلك، فالامور ستبقى مثل ما هي او قد يحصل الأسوأ. فالفرق الجيدة ستتخلى عن هذا العمل او تغادر لتجد فرصة خارج مصر.

كريم: أحب أيضا أن ارى مسارح اكثر تستضيف الفن عموما والفرق الموسيقية بشكل خاص. فهذه الفرق تستحق اكثر من ذلك. فكما يقيمون المنابر الضخمة للمغنين العرب، يكون عليهم أن يفعلوا ذلك للفرق الموسيقية؛ والقليل من الدعم يمكن أن يزيد من انتشارهم في مصر والشرق الاوسط، ويؤدي الى ظهور فرق موسيقية عديدة، وينعش المسرح الموسيقي.

(Visited 189 times, 1 visits today)

Leave a Reply