فيلم عن الزبالين

يتشابه صباح كل يوم في حياة مراد. فهو يستيقظ عند الساعة الثانية صباحاً. ويقضي ساعة من وقته بإيقاظ أولاده وسحبهم من الفراش لينطلقوا متأخرين إلى جمع النفايات في شبرا.

على سفح جبل المقطم في القاهرة حيث يطغى دير القديس سمعان الجليل الذي يعج بالمؤمنين والحجاج والسياح الأغنياء، تعيش شريحة صغيرة مميزة من المجتمع تبدأ يومها بجمع وإعادة تدوير الكميات الهائلة من النفايات الصلبة  التي تنتجها الدولة العربية الأكثر كثافة سكانية.

بعد النبذ الاجتماعي، والتميز، وتجاهل السلطات لهم، هاجرت مجموعة من المسيحيين الأقباط- الذين بلغ عددهم حوالي 60 إلى 70 ألف مسيحي قبطي- من المناطق النائية في مصر عام 1950، واستقروا في المناطق الفقيرة على الحدود الشرقية للقاهرة.

يُعرف الأقباط اليوم باسم “الزبالين”، ما يعني “شعب القمامة”. وقد طور المسيحيون الأٌقباط مهنتهم هذه وباتوا شعباً يعمل بكد ويكفي ذاته. فهم يوفرون خدمات غير رسمية إنما منظمة تنظيماً فعالاً لكافة المنازل والشركات في جميع أنحاء المدينة. وعلى مر الأجيال، شكلت القمامة رصيداً لهم، إذ أنهم يفرزون يدوياً 15,000 طن من النفايات المتعفنة الناتجة يومياً عن سكان المدينة الذين يصل عددهم إلى 17,8 مليون نسمة.

يغادر الرجال، من الصباح الباكر، مدينة القمامة في عربات تشدها الحمير أو في شاحنات مسطحة حديثة، ويقومون بجولات على المنازل والمكاتب، تلك المنازل والمكاتب نفسها التي كان آباؤهم وأجدادهم يوفرون فيها الخدمات طيلة السنوات التي خلت. فهم يقدمون خدمة جمع النفايات من أمام الأبواب. وهي خدمة لم تستطع أن تضاهيها أي خدمات أخرى مقدمة من قبل الشركات الأجانب التي جلبتها الحكومة لتحسين عملية جمع النفايات في المدينة. وبعد ساعات عديدة، يعود الرجال محملين بما جمعوه من نفايات في النهار إلى مقطم حيث يتلهف النساء والأطفال لإفراغ القمامة،  ويشقون بفصل البلاستيك والمعادن، والزجاج، والورق، والأنسجة، عن المواد الغذائية والنفايات العضوية.

وفي وسط سحابة من الذباب والقذارة، تتم عملية تدوير مذهلة بنسبة 80% من مجموع النفايات الصلبة، مما يجعل القاهرة الدولة الرائدة عالمياً في سباق الإدارة الفعالة للنفايات. وعادة تستخدم النفايات العضوية المتبقية كعلفٍ للخنازير، غير أن قرار الحكومة في عام 2009 بذبح أكثر من 200,00 خنزير- بزعم الحد من انتشار انفلونزا الخنازير- أدى إلى ظهور مشكلة صحية خطيرة. إذ أنه لم يعد هناك أي وسيلة فعالة للتخلص من النفايات العضوية. وفي الوقت نفسه، شكل هذا الأمر آثاراً خطيرة على معيشة الزبالين، الذين يربون الخنازير للاستفادة منها كمصدر للغذاء أو عبر بعيها للجزارين غير المسلمين.

وبعدما كانت المقطم ترقد بسلام على مشارف المدينة، بدأت اليوم ضواحي القاهرة الآخذة بالتوسع تزحف صوبها. وبدأت الأراضي تعمر حول المقطم، حيث بات وجود الزبالين غير اللائق يشكل انزعاجاً يزداد يوماً بعد يوم.

يتم حالياً إنتاج فيلمٍ ، يعمل فيه فريق عمل ديناميكي من السينمائيين المتأثرين بالشؤون الاجتماعية والذين لديهم رؤية أكثر تعمقاً لما يجري. يهدف هذا الفيلم إلى إظهار وجهة نظر وقصة “شعب القمامة” الكادح، ومنحهم الفرصة لسرد قصتهم عن نضالهم المستمر وعن انجازاتهم ومشاريعهم البيئية، ورؤيتهم لسبل عيشهم في المستقبل.

 

(Visited 204 times, 1 visits today)

Leave a Reply