بناية أم علي

SocietyUrban change This article is part of the series Neighbours

جيران

أينما كنّا في العالم، سواء في المنزل الذي ولدنا فيها أو في أي مكان آخر، يعيش جيراننا في الجوار. قد نختلف بالأسلوب والسلوك أو كيفية التعامل أو القيام بالأمور، ولكن الرابط الوثيق الذي يجمعنا يبقى صامدًا. فالحدود والجدران والشجيرات والأسوار الحديدية أو الخشبية التي تفصلنا، تجمعنا أكثر ممّا تفرقنا.

إن لبنان الذي يحدّه المتوسط من جهة وحقول الزيتون والليمون والقمح من الجهات الأخرى، لديه علاقات رسمية يمكن وصفها بالمعقدة إن لم تكن شائكة مع جيرانه اليوم.

ولكن العلاقات التي تجمع بين الناس مختلفة. فهؤلاء يعبرون الحدود ويمدّون جسور التواصل مع الذين في الجانب الآخر من الحدود.

يُعرف لبنان أيضًا بعلاقة الجيران الوطيدة في ما بينهم. هذه الثقافة المميزة التي تربط الأشخاص الذين يقطنون في الشارع نفسه والبناية نفسها. هي ثقافة الدردشة والمشاركة ومساعدة بعضهم البعض.

قد يعتبر البعض أنّ هذا الرابط المميز بين الجيران قد بدأ يتلاشى وأن علاقاتهم الوثيقة أصبحت من الماضي. بغض النظر عن ذلك، يبدو أن هناك حنين متأصل يرتبط بمفهوم الجيرة والجيران في لبنان. فكيف تتجلّى هذه العلاقات اليوم؟

نقدّم لكم في هذه السلسة: “جيران”، سبع قصص كتبها وأنشأها مشاركون سابقون في ورش العمل التي أقمناها حول الصحافة والكتابة.

القصة الأولى هي قصة سارة خازم وذكرياتها عن “صبحيات” الصباح الباكر مع أحد جيرانها المؤقتين. أما آبي سويل فتروي محادثاتها مع ناشطين سوريين حول المظاهرات في لبنان.

من جهتها ليلى يمين، تخبرنا عن لقائها بتاجر التحف والأنتيكة في حي البسطة في بيروت. أندريا أوليا تشاركنا محادثات المطبخ مع صديقين فلسطينيين.

ويروي لنا حمود مجيدل قصص العائلات المقيمة في بناية أم علي في شتيلا. أما غدير حمادي فتخبرنا عن تاريخ عائلتها بين لبنان والخليج.

وأخيرًا، نقرأ مع ريان سكر وسميح محمود قصص الذين يعتبرون جيران الثورة اللبنانية المستمرة.

عندَ دخوليْ مخيم شاتيلا كانتْ أصواتُ بائعيْ الخضارُ والفاكهةُ المصطفين يميناً ويساراً ومضارباتْ ألاسعار فيما بينهم والتدليلُ على بضاعتهم تملئُ المكان ولكن لم يلفتَ نظري الا سكونُ رجلٌ مسنٌ نحيلُ الجسد يجلسُ على حافةِ الرصيف وملامح وجههُ الذي بدتْ عليهِ علاماتُ تعبَ السنين واضعاً يديهِ في سترتهِ من البرد، أثارهذا الرجل انتباهي ودفعني للاقترابِ منهُ وسؤالهُ عن سعرِ الفاكهة لديهِ وسؤاله عن مكان عملي الذي أذهب اليه أول مرة، ولافتح حديث معه  قلتُ لهُ:

“عمو ليش مانك عمّ تنادي على البسطةِ ومانك حاطط لوحة للأسعار.”

ردَّ علي الرجلُ المسنُ:

“الرزقُ على الله لكْ عمو وماعاد الصحة تساعدني على الصراخ.”

“الرزقُ على الله لكْ عمو وماعاد الصحة تساعدني على الصراخ.”

أصبحت في كل يوم عند ذهابي الى عملي أشاهد ذلك الرجل الذي تعرفت على أسمه فيما بعد بالحاج إبراهيم وهو رجل فلسطيني يبلغ من العمر 70 عاما، ذات يوم لم أجد الحاج إبراهيم على بسطت الخضار التي يعمل عليها كان هناك شاب صغير لا يتجاوز عمره 18 عام يقف مكان الحاج إبراهيم، أقتربت من الشاب وسئلته عن الحاج إبراهيم وعلمت منه أنه مريض ولا يستطيع العمل.

بعد فترة علمت بوفاة الحاج أبراهيم بعد صراع مع المرض ، لن أنسى الحاج أبراهيم الذي التقيت فيه أول مرة عندما دلني على مكان عملي في أول يوم عمل  لي في مخيم شاتيلا مع أحد المؤسسات العاملة مع اللاجئين السوريين والفلسطينين في المخيم.وأتذكر نصيحته لي عندما قال لي:

“لك أبني أستأجر بيت بالمخيم أرخصلك من باقي مناطق بيروت ورح دلك ع بناية صاحبتها أسمها أم علي كتير رح ترخصلك  بالاجار.”

أكملتُ طريقي إلى مكانِ عملي وأنا أنظرُ إلى أسلاكِ الكهرباء التي تشكلُ ما يشبهُ شبكةَ عنكبوتً بعشوائيةٍ مبالغٍ فيها ورسومات الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات التي تملئ المكان، هناك يوجد بما يُعرفْ لأهلِ المخيم بخزان الانوروا والذي هو عبارةٌ عن خزانٍ مياهٍ كبيرٍ ومعلق عليه مفتاحُ العودة وهو رمزٌ لعودةِ اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا بيوتهم في فلسطين ولم يحملوا غير مفاتيح منازلهم على أمل عودتهم.

في أحدِ الزواريب المظلمة الذي يمتدُ لأكثرِ من عشرين متراً يقودكَ في نهايتهِ الى بنايةٍ قديمةٍ تتكونُ من أربعِ طوابقٍ وفيها العديدُ من الشققِ البسيطةِ ذاتُ البناء العشوائي البسيط  هناك بنايةٌ تتملكها امرأةٍ مسنةٍ في العقدِ السادس تدعى أم علي وغالبية أهلُ المخيمُ يعرفون البناء ويعرفونهُ باسمها حصلت على عنوان أم علي عند لقائي بالحاج أبراهيم يومها.

أم علي امرأةٌ لبنانيةٌ وهي صاحبة البناية تعيش وتأمن مصاريفها من أجار الشقق المتواضعة لديها فهي تقوم بتأجير المنازل في البناية وبأسعار تراعي في ظروف الفقراء توفي زوجها منذ سنواتٍ ولديها أبناء في المغترب تعيشُ أم علي وحيدة في أحدِ البيوت في البناية وتربطها علاقةٌ قويةٌ بسكانِ البناية من المستأجرين القادمين من خلفياتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ ودينيةٍ متنوعةٌ تعيش في البناية مجموعة من الأسرُ الفلسطينيةُ واللبنانيةُ والغالبيةً من الأسرِ السوريةِ اللاجئة من الحربِ.

تذكرُ لي أم علي:

“سنواتِ الحرب الأولى والأعدادُ الكبيرةَ من اللاجئين الذينَّ دخلوا المخيم وكيف أن الكثيرَ من الشققِ لديها كانت تسكنُ فيها أكثرُ من عائلةٍ وكيفَ كانتُ بعض الأسر تنامُ في ساحةِ البناية بسبب عدم توفرُ الإيجاراتُ.”

تقول أم علي غالبيةَ العائلات هي من أسرِ العمال السوريين الذين كانوا يترددون للعملِ في لبنان سابقاً قبلَ الحرب وعند نشوب الحرب وبداية النزوح الى لبنان أحضرَ الكثيرُ منهم عائلاتهم إلى مخيمِ شاتيلا.

“حيث كان الغالبية يعرفون بنايتي ويعرفونني وعادو الي عندما أحضروا عوائلهم.”

تسمع أصوات صراخ الأطفال وهم يخرجون من المدرسة القريبة من البناء وأصوات الباعة.

وأنا جالس على كرسي خشبي قديم في ساحة البناية وأستمع الى حديث أم علي، كانت الساحة الصغيرة في البناية مكان مليئ بالدفئ من الخارج تسمع أصوات صراخ الأطفال وهم يخرجون من المدرسة القريبة من البناء وأصوات الباعة ومن أحد الشبابيك الصغيرة في البناية أسمع صوت بكاء طفل صغير وصوت أم تغني لطفلها أهازيج ماقبل النوم لتهدئته أتذكر بعضها:

نام نام يا أحمد نام لا ذبحلك طير الحمام

ياحمامة لاتزعلي أضحك على أحمد لينام

ما عرفته عن سكان المخيم خلال سنوات عملي هناك هي الترحيب وحسن الضيافة والتعاطف مع اللاجئين القادمين من سوريا ولعل سبب ذلك كون أهالي المخيم نفسهم عانوا ماعاناه السوريين.  مخيم شاتيلا للاجئين هو مخيم أسستهُ وكالة الأمم المتحدة (الانوروا) عام 1949م، يقع المخيم في جنوب مدينة بيروت ويضم المخيم اليوم الكثير من السوريين الهاربين من ويلات الحرب فهو يعتبر ملاذا امناً نوعا ما للسوريين الذين لا يملكون أوراق إقامة فلا يستطيعون العمل خارج أرض المخيم ويعيش الكثير منهم على مدخول محدود وخاصة من العمل على البسطات وبيع الخضار لم يكن سوق صبرا القريب من مخيم شاتيلا بهذه الكثافة من الناس والباعة المتجولين والمحلات قبل اللجوء السوري الى لبنان وفي صبرا الكثير من البضائع أرخص من الكثير من أسواق بيروت ويلجئ إليه السوريين من مناطق أخرى لشراء مستلزماتهم.

عند تجولي بأسواق المخيم شاهدت محلات ألبسة مختصة بالالبسة للنساء السوريات القادمات من الارياف خاصة ريف حلب ريف دير الزور والرقة (وهي عبارة عن الكلابية ثوب طويل من القماش المطرز) وهو لبس خاص بأهالي بعض تلك المناطق، كذلك لفت نظري انتشار المحلات التي تقدم الأكل السوري وسميت المحلات بأسماء المدن السورية القادمين منها أصحابها منتها كباب حلب، شعيبيات إدلب والشعيبيات عبارة عن أكلة حلو تراثية ومشهورة في إدلب، و حلويات الشام.

لفت نظري انتشار المحلات التي تقدم الأكل السوري وسميت المحلات بأسماء المدن السورية القادمين منها.

والعائلة الأولى التي انتقلت الى بناية أم علي هي أسرة من الشام.

تقول أم علي:

“في أيامِ الصيف وفي سنواتِ الحرب الأولى في سوريا دخل الكثير من السوريين الى لبنان أتذكر أنني كنتُ في أحدِ الأيام ذاهبةٍ للرملةِ البيضاءِ في بيروت (شاطئ البحر) أنا وجارتي أم مهند حينها لم أشاهدُ البحر منذ فترةً فقررت الذهابَ إلى هناك وخلال جلوسي على الشاطئ كنتُ أشاهدُ عائلةً تجلسُ على الرمال وهم وينظرون إلى البحرِو كانت العائلة مكونة من امرأةٍ أربعينيةٍ وزوجها المقعد على كرسيٍ متحركٍ وطفلها ذو العشرُ سنواتٍ وطفلةٍ صغيرةٍ لا تتجاوزُ ثمان سنواتٍ، طالَ جلوسي وطالَ جلوسُ العائلة وصمتها دون أي حوارٍ بينهم فقط الأطفال يلعبونّْ بالرملِ، فضولي دفعني لمعرفة تلك العائلة وماسبب جلوسهم الطويل فقررتُ الاقترابُ أكثر لأتكلم معهم وأعرف خفاية صمتهم قلتُ للامرأةِ الصامتةِ وزوجها لماذا لا تعودين إلى منزلكِ فقد أصبحتُ الشمسُ حارقةً على الاطفالِ، نظرتُ إلي المرأة وزوجها وقالت لي أي منزلٍ، نحنُ لانملك منزل نعودُ اليهِ قالت المرأة اليوم فجراً وصلنا إلى لبنانِ قادمين من سوريا هرباَ من الحرب وقد دمر منزلنا ولانعلمُ إلى أين نذهبُ.”

“اليوم فجراً وصلنا إلى لبنانِ قادمين من سوريا هرباَ من الحرب وقد دمر منزلنا ولانعلمُ إلى أين نذهبُ.”

تتابع حديثها أم علي:

“تذكرتُ أنَّ لدي غرفةٍ صغيرةٍ في بنايتي فقلتُ للمرأةِ أحضري زوجكِ والأطفال وتعالي معي أوقفت سيارة أجرة وحملنا بعض أمتعتهم البسيطة وعدنا الى المخيم برفقت تلك العائلة وكانت عائلة فاطمة وزوجها أول الأسر اللاجئة في بنايتي.”

وأنا أجلس وأستمع لأم علي شعرت أم علي بالبرد وطلبت مني تغير الجلسة الى داخل بيتها جلست أنظر الى صور أبنائها الذين يعملون في الخارج وهي تحدثني عنهم، كانت تشعر بالحزن ولكنها قالت أنا لا أشعر بالوحدة كثيراً بدون أبنائي  فجيراني لا يتركونني لحظ واحدة وهذا مايخفف عني قليلا، وبدأت أم علي تحدثني عن علاقاتها بجيرانها في البناية. بعدها التقيت ببعض سكان البناية وأستمعت حكاياهم وعن علاقتهم ببعضهم البعض.

تتذكر دلال جارتها سحر وهي أول من ألتقيت فيه من سكان البناية. دلال امرأةٌ لبنانية تعيش في مخيم شاتيلا وهي من سكان بناية أم علي:

“كانت جارتي سحر التي لجئتُ إلى كندا وسحر من سكان بناية أم علي حصلت على فرصة اللجوء الى كندا.”

تتابع دلال حديثها عن سحر:

“كانت سحر من مدينة درعا السورية، وكنت أقضي معظمُ وقتي معها نتبادلُ الحديث في السياسة أحيانا كثيرة كانت لا تعجبني أرائها في بعض المواقف فيما يحصل في سوريا إلا أنه مع مرور الوقت تعودت على تقبل ما تقوله وتعلمتُ منها أشياء كثيرة غير السياسة ومنها أكلتُ المليحي وهي أكلة مشهورة في مدينةِ  درعا في سوريا.”

“نتبادلُ الحديث في السياسة أحيانا كثيرة كانت لا تعجبني أرائها في بعض المواقف فيما يحصل في سوريا إلا أنه مع مرور الوقت تعودت على تقبل ما تقوله.”

شاركتني فاطمة الحديث وكانت تحمل بعض أكياس الخضار وهي قادمة من السوق وتمسك بيد ابنتها الصغيرة وبدأت الحديث من اليوم الأول لدخولها لبنان وعندما التقت بأم علي على شاطئ البحر.

وتقول فاطمة القادمة من محافظة دمشق وهي من سكان البناية والتي جمعتها الصدفة  بأم على على البحر:

“كانت ساحة بناية أم علي مكانٍ نجتمعُ فيهِ للحديثِ ونسمع قصص بعضنا البعض وخاصة أن غالبيةَ السكان من مناطقٍ مختلفةٍ، وكثيراً ما كنَّا نروي قصصنا ومشكلاتنا اليومية ونتعرف على عادات وتقاليد بعضنا البعض الغريب أنه الكثير من النساء من نفس البلد ولكن كنا نجهل الكثير عن بعضنا البعض وعن عاداتنا وطقوسنا الاجتماعية والثقافية ويقودنا الحديث أحيانا إلى التحدث في السياسة أيضاً وكنا نختلفُ في الآراءِ كثيراً حتى أن جارتنا أم سعد تغضب وتركتُ المكان أكثر من مرة عندما نتحدث عن أحد رجال السياسة الذين تؤيدهم ومع الأيام تعودنا على التعبيرِ وتقبلُ رأي بعضنا البعض وكثيراً ما كنا نضحكُ ونحن نعبر عن مواقفِ بعضنا البعض.”

تقول فاطمةُ خلال فترة لجوئنا في مخيم شاتيلا:

“تعلمتُ الكثيرَ من الاكلات الفلسطينية المشهورة في المخيمِ منها أكلة بصارة وهي عبارةٌ عن فولٍ وحمصٍ وملوخيةٍ ناشفة وأكلة مفتول وهي عبارة عن قطع دجاج وحبات الحمص والخضار وأكلة الرمانية وهي عبارة عن حبات الرمان مع حب العدس والباذنجان والمسخن الفلسطيني.”

وتقولُ أنها أضافتُ لمطبخها الكثيرَ من الأكلاتِ الفلسطينية التي لم تكن تعرفها سابقا وعلمت جارتها الكثير من الاكلات السورية وخاصة الاكلات الشامية.

تتابعُ فاطمة حديثها في علاقاتها مع جيرانها وتقول أنه في أحدِ المناسبات الدينية للشيعةِ في ذكرى عاشوراء:

“شاركنا أنا وباقي النساء في البناية جارتنا أم رضا وهي أمراة لبنانية من الطائفة الشيعية وهي من سكان مخيم شاتيلا في إعدادِ الهريسة وهي عبارةٌ عن دجاجٍ مطبوخٍ مع القمح وهي تقدم في  تقليدٌ دينيٌ لدى الشيعة، وبعد إعداد الطعامَ قامتُ بتوزيعهِ على الأطفال والنساء في البناية.”

تقولُ فاطمة:

“شاركتُ جارتي أم رضا في تلك المناسبة وكانوا أطفالي يلبسون الشعارات الدينية الشيعية بالرغم من الاختلاف في المعتقدات بيني وبينها ولكن كونها جارتي وكنت على علاقة جيدة معها كنت أشاركها تلك المناسبة.”

تصف المشهد أم علي وهي تتحدثُ عن علاقتها مع سكان البناية وعلاقة الجيران مع بعضهم البعض أنَّ في الصباحِ يجتمعُ الأطفال للعبِ والصراخ في الساحةِ الصغيرة للبنايةِ حيث لا مكانٍ في المخيمِ آمن ليعلبُ الأطفال وفي فترةِ ما بعدَ الظهر تجتمعُ النساء بعد العودة من العملِ أو السوق وفي فترة المساء يضعُون الرجال الاركيلة ويجلسون لوقتٍ متأخرٍ وفي العطلةِ تصبحُ الجلسات مختلطة وعائلية.

في الصباحِ يجتمعُ الأطفال للعبِ والصراخ في الساحةِ الصغيرة للبنايةِ حيث لا مكانٍ في المخيمِ آمن ليعلبُ الأطفال.

تقولُ أم علي وهي تحدثني عن سكان بنايتها:

“كانت تعيشُ في البناية مريم وهي أمراة فلسطينية من سكان المخيم وهي سيدة منفصلة وتعيشُ مع أطفالها تذهبُ للعملِ في أحدِ مشاغل الخياطة من أجل إعالة أطفالها وفي أحد الأيام مرض ابنها وطلب منها الطبيب صورة للبطن بقيمةٍ ماليةٍ لم تستطع دفعها وقامت جميع نساء البناية بتأمين المبلغ ومساعدتها فكنا في كل موقف نساعد بعضنا كلن ضمن إمكانياته.”

تتابع أم علي وهي تبتسم وتتحدث عن:

“هناء وهي أحد سكان بنايتها هناء المرأة الاربعينية القادمة من مدينة إدلب مع زوجها وأطفالها الصغار كانت هناء دائمة المشاكل مع زوجها بسبب رفضه أن تعمل زوجته تساعدته في مصروف البيت كون زوجها خرج من بيئة ترفض عمل المرأة  وبعد إقناعه ومحاولاتها خرجت للعمل ولم تكن هناء تملك اي خبرة في العمل خارج المنزل ولكنها استدلت من خلال جارتها مريم التي تسكن بنفس البناية على أحد الجمعيات التي تعمل في التدريب المهني والتي تعمل بها مريم تعلمت هناء الخياطة والتطريز وأصبحت تشارك مع زوجها في المصاريف.”

“بدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان”

تتذكر أم علي قطعة القماش المطرز التي قدمتها هناء لها هدية وكانت عبارة عن حقيبة قماش مرسوم عليها سيارة تحمل أمتعة وعبارة كتب عليها “بعيداً عن الوطن” كانت من شغل يدها.

يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش “بدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان” وقد سمعنا على لسان أم على صاحبة البناية وهي تتذكر المكان وقصصها مع جيرانها في البناية وتعرفنا على فاطمة، وسحر، ودلال، ومريم، وهناء، وأم رضا، نساء من أماكن متعددة اجتمعت قصصهن في مكان واحد.

وكانت بناية أم علي ذات البناء العشوائي البسيط مكان إجتمعت فيه قصص وحكايا من عاشوا فيها ….من رحلوا…. ومن بقي منهم الى هذا اليوم.

Neighbours was produced as part of the 2019-2020 Switch Perspective project, supported by GIZ. All illustrations by Ismaël Abdallah. Story translated by Sahar Ghoussoub.

(Visited 355 times, 1 visits today)